الخلاصة:
المُلَخَّـص
تُعَدُّ ظاهرةُ الحذفِ منْ أهمِّ عوارضِ البناءِ والتَّركيبِ ، وقد جاءتْ هذهِ الدِّراسةُ ترصدُ مواطنَ هذهِ الظّاهرةِ في شعرِ العبَّاسِ بنِ الأحنفِ وتُبرِزُ جماليّاتِها ، فلم تقتصرْ على المفرَدِ وحدَهُ ، بلْ تعدَّتْهُ لتشملَ الجملةَ أيضًا .
وأكثرُ مِنْ هذا فقدْ كانَ للتَّضمينِ في شعرِهِ نصيبٌ ، وهوَ شكلٌ من أشكالِ الحذفِ أضفى على نصِّهِ الشِّعريِّ زَخَمًا دَلاليًّا لم يكنْ لِيُكتَسَبَ في غيابِهِ .
ولسهولةِ شعرِ العبَّاسِ وسلاستِهِ برزتْ ظاهرةُ الحذفِ جليَّةً واضحةً في أشعارِهِ ، فلم يعدْ يكتنِفُها الغموضُ كما اكتنفَها عندَ غيرِهِ من أصحابِ المعلّقاتِ، الأمرُ الَّذي جعلَ الوقوفَ على جماليَّاتِ الحذفِ في شعرِهِ أمرًا هيّنًا لا غرابةَ فيهِ ولا تعقيدَ .
ولا أُبالغُ إنْ قُلْتُ : إنَّ ظاهرةَ الحَذْفِ في شعرِ العبّاسِ غَدَتْ علامةً فارقةً ميّزتِ الشّاعرَ على هذا الصَّعيدِ ، فعلى الرَّغمِ منْ توسُّطِ حجمِ الدِّيوانِ إلَّا أنَّ نسبةَ الحذفِ في شعرِهِ جاءتْ كبيرةً ، وربَّما لم تتسنَّ لكثيرٍ منَ الشُّعراءِ ممَّن فاقتْ دواوينُهم الشِّعريَّةُ حجمَ ديوانِهِ .
ولعلَّ السَّببَ في ذلكَ يعودُ إلى أنَّ هذا الشَّاعرَ كانَ مفطورًا على فنِّ الغزلِ ، ومنْ كانتْ هذهِ حالَهُ فإنَّ لجوءَهُ إلى الإيماءِ والتَّعريضِ يكونُ أكثرَ من غيرِهِ ، فيجدُ في الحذفِ ما يُمكنُ أنْ يَشغَلَ بِهِ فراغًا عاطفيًّا يكمنُ في ذاتِهِ ووِجدانِهِ .
وعلى الرَّغمِ منْ كِبَرِ حجمِ المحذوفاتِ إلَّا أنَّها جميعًا جاءتْ وَفْقَ قواعدِ اللّغةِ ، فلمْ تخرجْ عنها قِيْدَ أُنملةٍ إلَّا في موضعٍ واحدٍ ، وهوَ حذفُ (أنْ) النَّاصبةِ دونَ مُسوِّغٍ ، وقدْ تمَّ وسمُ هذهِ الظَّاهرةِ بالحذفِ الشَّاذِّ .
كلُّ ذلكَ يدلُّ على فصاحةِ الشَّاعرِ وبلاغتِهِ وعلوِّ كعبِهِ ومكانتِهِ ، بلْ يؤكِّدُ إمكانيَّةَ الاحتجاجِ بشعرِهِ والاستشهادِ بِهِ ، ولا سيِّما أنَّ هذا الشَّاعرَ كانَ قريبًا منْ عصرِ الاحتجاجِ ، بلْ إنَّهُ عاشَ جزءًا منْ حياتِهِ فيهِ ، حتَّى وصفَهُ بعضُهمْ بأنَّهُ أشعرُ أهلِ زمانِهِ .